المراة العاملة خائرة بين تحقيق الذات ومسؤولياتها الاسرية والاجتماعية
- المراة الجزائرية وبحثها لتوفيق بين التربية والعمل
- 6 oct. 2017
- 5 min de lecture

هناك من يعلو صوته مطالباً بعودة المرأة إلى بيتها وأسرتها لتمارس دورها الأصلي في التربية والتنشئة الاجتماعية للأبناء، في ظل تراجع هذا الدور بفعل عوامل ومتغيرات عالمية عديدة، وفي مقدمتها خروج المرأة للعمل، واهتزاز الترابط الأسري، لدرجة أن «التواصل الالكتروني» بات يغزو واقعنا الاجتماعي على أنقاض ثوابت وأشياء كثيرة. نحن لا نعزز ولا نؤيد هذا الرأي بكل تأكيد، لكن كل المؤشرات تقول إن هناك انخفاضا ملموسا في درجة الترابط، وهناك أكثر من مؤشر على تراجع لغة الحوار، والعلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة الواحدة. وإن بحثنا عن الأسباب، سنجد أن هناك فراغا عاطفيا ووجدانيا بين أبناء الأسرة الواحدة مقارنة بعقود زمنية مضت. هناك من يستصرخ روح المجتمع وضميره بأن عرى العلاقات الزوجية والأسـرية باتت في خطر، وأنها في حاجة ماسة إلى ترميم، بسبب تلاشي العاطفية الجياشة، وفقدان «الأمن العاطفي» والتماسك الأسري لغياب لغة التواصل والحوار، وانخفاض الاهتمام الأمثل بالأطفال، وتعلقـهم بمربياتهم وخادماتهم على حساب أمهاتهم. « هل تتأثر أحوال الأسرة كثيراً بساعات العمل الطويلة التي تقضيها الأم أو يقضيها الأب بعيدا عن البيت؟ وإلى أي حد يصل هذا التأثير؟ وأي الجوانب أكثر تأثراً عن غيره؟ هل نستعيد حجج من يدعو المرأة العاملة «الأم» إلى ضرورة العودة إلى بيتها وأسرتها من أجل الاستقرار الأسري؟ جدل واسع يثار عندما نحاول التوصل إلى إجابة محددة عن ذلك التساؤل، لكن الأمر المثير للاهتمام أن نجد إجابات صادمة أحياناً عندما نتوجه إلى المرأة العاملة نفسها، وهي التي كانت تتحمس كثيراً لجدلية عمل المرأة أو عودتها إلى البيت!
موظفة تمتد سنوات وظيفتها إلى أكثر من عشر سنوات، تقول: «أنا أكثر الأطراف تضرراً من بقائي ساعات طويلة في العمل»! وأخرى لا تتردد في أن تقول صراحة: «هل تعلم أنني نسيت حتى ـ الماكياج ـ منذ عدة سنوات، لم يعد لدىّ الوقت لعمل ذلك»، وثالثة تؤكد أن أطفالها هم الضحية، ورابعة لا تتردد في أن تصرح بأن الزوج هو أكثر المتضررين، فلم يعد لها من الوقت ما يكفي للاهتمام بنفسها كزوجة.
أخرى، كانت أكثر تطرفاً في إجابتها، وقالت: «ربما تلجأ المرأة للعمل من منطلق تحمل المسؤولية الاجتماعية والاقتصادية للأسرة، ورعاية الأبناء، لكن دائما ما تدفع الزوجة الثمن، وقد تستغرق في إهمالها لنفسها، وقد تلتمس لزوجها العذر إن تطلع بمغامراته خارج حدود بيت الزوجية!
وهذه موظفة تتمتع بروح الدعابة لتخفف عن نفسها، وتقول: «العمل، والإنترنت، والفيس بوك، والأصدقاء، سرقوا الأزواج ولا عزاء للمتزوجات»! وتضيف ضاحكة: «زوجي يتمنى أن أبقى 12 ساعة في العمل حتى أعود للبيت «مهدودة» ـ متعبة، حتى لا أجد متسعاً من الوقت للتضييق عليه ومساءلته أو محاسبته!
منذ القديم ارتبطت المرأة بالأعمال المنزلية و الواجبات العائلية و ذلك بسبب الإنجاب و الحاجة إلى رعاية الأطفال , كما عهد إلى الرجل الحماية و أعالة النساء و الأطفال.... " إن تغير هذا الدور لا يتم بسهولة أو في فترة زمنية قصيرة لأن التغير الاجتماعي يأتي بطيئا نتيجة لعوامل عديدة تساهم في تكريس الثقافة السائدة في المجتمع حيث أن: المجتمع بثقافته المسيطرة يفرض بواسطة نظامه الاقتصادي ، و تركيبه الاجتماعي كيفية توزيع السلطة و يخضع كل فرد من أفراده لعملية تربية و تثقيف هدفها الحفاظ على النظام القائم و تأمين استمراره على الشكل الذي هو فيه، و هو لذلك يفرض على كل فرد من أفراده أدوار اجتماعية لا يمكن تبديلها أو الخروج منها، و حين تطرح المرأة فكرة العمل على بساط البحث تواجه فورا بالسؤال عن بديلها في أعمال المنزل، لذلك كانت تستبعد فكرة عمل المرأة خارج المنزل، و إن كان لابد مكن مزاولتها لعمل ما فليكن داخل المنزل , كالخياطة و ما شابهها من أعمال التي يمكن للمرأة أن تمارسها دون مغادرة منزلها، لكن تعلم المرأة و تغير الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية ساعد المرأة على دخول ميدان العمل ، بل يمكن القول أنه فرض عليها الخروج للعمل. لا يخفى على أحد تأثير عمل المرأة في أوضاع أسرتها " لا جدال في أن عمل المرأة و توليها الوظائف العامة يؤثران تأثيرا كبيرا في مجال الأسرة و المجتمع , بل أن هذا هو المجال الذي يتأثر أساسا أو أكثر من أي مجال آخر بخروج المرأة إلى العمل و توليها الوظائف العامة , فبعد أن كان دور المرأة يقتصر على رعاية الأسرة و تنشئة الأطفال و القيام في الأعباء المنزلية , و بعد أن كانت متفرغة تفرغا كاملا لهذا الدور الذي خلقت مؤهلة له بيولوجيا و سيكولوجيا , أصبح لها دور آخر يقتضي خروجها خارج المنزل و ترك هذا الدور الهام لفترة قصيرة يوميا و لاشك أن ذلك يؤدي إلى نتائج هامة و خطيرة بالنسبة إلى الأسرة و المجتمع. إن المرأة العاملة في البلدان النامية رغم دخولها ميدان العمل فإنها ظلت تتحمل مسؤولية منزلها و أطفالها و زوجها كاملة , الأمر الذي أدى لأن تتنازعها قيمتان أساسيتين الأولى موقفها من أسرتها و الطريقة الأنجع التي ستسلكها كأم و زوجة و ربة بيت و الثانية موقفها من عملها و الطريقة الأنجع التي ستسلكها للقيام بالعمل المسند إليها , و يمكن القول أن المجتمع قد وقف منذ البداية موقف المتفرج من تلك الصراعات التي تعيشها المرأة فراح يتهمها بالإهمال و عدم الشعور بالمسؤولية والأنانية المفرطة التي دفعتها لترك بيتها و الجري وراء العمل خارج المنزل. و لعب بقاء العادات و التقاليد على حالها و بقاء العلاقات الاجتماعية كما هي دورا في إلقاء ثقل إضافي على عاتق المرأة العاملة , إن العديد من الأسر مازالت تخضع لمفاهيم و تقاليد لم تعد تتناسب و التغير الذي طرأ على كيان الأسرة نتيجة خروج الزوجة إلى العمل ففي الوقت الذي تعاني فيه المرأة ازدواجية الأعباء داخل المنزل و خارجه فهي مطالبة تحت ضغط التقاليد السائدة أن تتحمل أعباء جسدية و نفسية و مادية للقيام بواجبات الضيافة و الولائم مما يثقل كاهن الزوجة و أفراد الأسرة . ونرى أن المرأة في كثير من الأحيان تواجه بالاختيار بين عملها و بين واجباتها المنزلية لأنها تواجه بصعوبة التوقيف بين عملها و بين واجباتها الأسرية , و هي في هذه الحالة يجب أن تختار بين: محاولة جعل متطلبات الحياة الوظيفية تتلاءم مع المراحل المختلفة لحياتها الأسرية وكذا محاولة جعل متطلبات حياتها الأسرية تتلاءم مع حياتها الوظيفية. و يلاحظ أنه في المرحلة الأولى لا تكون للمرأة غير المتزوجة مشاكل أنثوية خاصة و لكن جهدها يقتصر على التكيف مع الحياة الوظيفية , أما في المرحلة الثانية <زوجان بدون أطفال > فتكون أهباء المرأة العائلية أكبر من الرجل في نفس الظروف , بل أن الزوج قد يكون أحياناً معوقاً لحياة زوجته الوظيفية إذا:"أراد حياة اجتماعية مليئة بالصداقات مع كثرة الضيافات دون أن يشارك في عمل شئ و إلقاء التبعية كلها على الزوجة"وايضا "إذا أراد أن يضع نجاحه في العمل قبل كل أي شئ آخر و ينظر إلى عمل زوجته على أنه مورد مالي" إلا أن المرحلة الثالثة < زوجان مع أطفال صغار > فهي بلا شك أصعب فترة بالنسبة للمسؤوليات الأسرية التي تكون ثقيلة جدا حيث يبدو واضحا صعوبة التوافق مع الحياة الوظيفية. هذا التداخل بين مسؤوليات المرأة ووقوف الزوج في الكثير من الأحيان موقف المتفرج من معاناة زوجته و أيضا عدم تقديم لمجتمع لوسائل المساعدة الكافية تماما لتمكين المرأة من أداء دوريها , أظهر العديد من المشكلات و الصعوبات في حياة المرأة العاملة شمل تأثيرها الأسرة و المجتمع.
بلال لعيداني
Opmerkingen